كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وصيغة الجمع مع كونهما اثنتين إما لأن إطلاق الجمع على الاثنين شائع على ما قيل أو باعتبار ما في تضاعيفهما من بدائع الأمور التي كل منها آية بينة لقوم يعقلون وقد ظهر عند فرعون أمور أخر كل منها داهية دهياء.
فإنه روي أنه عليه السلام لما ألقاها انقلبت ثعبانًا أشعر فاغرافاه بين لحييه ثمانون ذراعًا وضع لحيه الأسفل على الأرض والأعلى على سور القصر فتوجه نحو فرعون فهرب وأحدث فانهزم الناس مزدحمين فمات منهم خمسة وعشرون ألفًا من قومه فصاح فرعون يا موسى أنشدك بالذي أرسلك إلا أخذته فأخذه فعاد عصا.
وقد تقدم نحوه عن وهب بن منبه، وروي أنها انقلبت حية ارتفعت في السماء قدر ميل ثم انحطت مقبلة نحو فرعون وجعلت تقول: يا موسى مرني بما شئت ويقول فرعون: أنشدك.. إلخ. ونزع يده من جيبه فإذا هي بيضاء للناظرين بياضًا نورانيًا خارجًا عن حدود العادات قد غلب شعاعه شعاع الشمس يجتمع عليه النظارة تعجبًا من أمره ففي تضاعيف كل من الآيتين آيات جمة لكنها لما كانت غير مذكورة صريحًا أكدت بقوله تعالى: {كُلَّهَا} كأنه قيل: أريناه آياتنا بجميع مستتبعاتها وتفاصيلها قصدا إلى بيان أنه لم يبق في ذلك عذر ما والإضافة على ما قرر للعهد.
وأدرج بعضهم فيها حل العقدة كما أدرجه فيها في قوله تعالى: {اذهب أَنتَ وَأَخُوكَ بئاياتى} [طه: 42] وقيل: المراد بها آيات موسى عليه السلام التسح كما روي عن ابن عباس فيما تقدم والإضافة للعهد أيضًا وفيه أن أكثرها إنما ظهر على يده عليه السلام بعد ما غلب السحرة على مهل في نحو من عشرين سنة ولا ريب في أن أمر السحرة مترقب بعد، وعد بعضهم منها ما جعل لآهلاكهم لا لإرشادهم إلى الإيمان من فلق البحر وما ظهر من بعد مهلكه من الآيات الظاهرة لبني اسرائيل من نتق الجبل والحجر الذي انفجرت منه العيون.
وعد آخرون منها الآيات الظاهرة على أيدي الأنبياء عليه السلام وحملوا الإضافة على استغراق الأفراد.
وبنى الفريقان ذلك على أنه عليه السلام قد حكى جميع ما ذكر لفرعون وتلك الحكاية في حكم الإظهار والإراءة لاستحالة الكذب عليه عليه السلام.
ولا يخفى أن حكايته عليه السلام تلك الآيات مما لم يجر لها ذكر هاهنا مع أن ما سيأتي إن شاء الله تعالى من حمل ما أظهره عليه السلام على السحر والتصدي للمعارضة بالمثل مما يبعد ذلك جدًا.
وأبعد من ذلك كله ادراج ما فصله عليه السلام من أفعاله تعالى الدالة على اختصاصه سبحانه بالربوبية وأحكامها في الآيات، وقيل: الإضافة لاستغراق الأنواع و{كُلٌّ} تأكيد له أي أريناه أنواع آياتنا كلها، والمراد بالآيات المعجزات وأنواعها وهي كما قال السخاوي: ترجع إلى إيجاد معدوم أو اعدام موجود أو تغييره مع بقائه وقد أرى اللعين جميع ذلك في العصا واليد وفي الانحصار نظر ومع الاغماض عنه لا يخلو ذلك عن بعد، وزعمت الكشفية أن المراد من الآيات علي كرم الله تعالى وجهه أظهره الله تعالى لفرعون راكبًا على فرس وذكروا من صفتها ما ذكروا.
والجمع كما في قوله تعالى: {آيات بينات مَّقَامُ إبراهيم} [آل عمران: 97] وظهور بطلانه يغني عن التعرض لرده.
والفاء في قوله تعالى: {فَكَذَّبَ} للتعقيب والمفعول محذوف أي فكذب الآيات أو موسى عليه السلام من غير تردد وتأخير {وأبى} أي قبول الآيات أو الحق أو الإيمان والطاعة أي امتنع عن ذلك غاية الامتناع وكان تكذيبه وإيائه عند الأكثرين جحودًا واستكبارًا وهو اوفق بالذم.
ومن فسر أرينا بعرفنا وقدر مضافًا أي صحة آياتنا وقال: إن التعريف يوجب حصول المعرفة قال بذلك لا محالة.
{قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى (57)}.
استئناف مبين لكيفية تكذيبه وإبائه.
والهمزة لإنكار الواقع واستقباحه، وزعم أنه أمر محال والمجيء إما على حقيقته أو بمعنى الإقبال على الأمر والتصدي له أي أجيتنا من مكانك الذي كنت فيه بعد ما غبت عنا أو أقبلت علينا لتخرجنا من مصر بما أظهرته من السحر وهذا مما لا يصدر عن عاقل لكونه من باب محاولة المحال، وإنما قال ذلك ليحمل قومه على غاية المقت لموسى عليه السلام بإبراز أن مراده ليس مجرد إنجاء بني إسرائيل من أيديهم بل إخراج القبط من وطنهم وحيازة أموالهم وأملاكهم بالكلية حتى لا يتوجه إلى اتباعه أحد ويبالغوا في المدافعة والمخاصمة إذ الإخراج من الوطن أخو القتل كما يرشد إلى ذلك قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقتلوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخرجوا مِن دياركم} [النساء: 66] وسمى ما أظهره الله تعالى من المعجزة الباهرة سحرًا لتجسيرهم على المقابلة.
ثم ادعى أنه يعارضه بمثله فقال: {فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مّثْلِهِ}.
والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها واللام واقعة في جواب قسم محذوف كأنه قيل: إذا كان كذلك فوالله لنأتينك بسحر مثل سحرك {فاجعل بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا} أي وعدا على أنه مصدر ميمي وليس باسم زمان ولا مكان لأن الظاهر أن قوله تعالى: {لاَّ نُخْلِفُهُ} صفة له والضمير المنصوب عائد إليه.
ومتى كان زمانًا أو مكانًا لزم تعلق الاخلاف بالزمان أو المكان وهو إنما يتعلق بالوعد يقال: أخلف وعده لا زمان وعده ولا مكانه أي لا نخلف ذلك الوعد {نَحْنُ وَلا أَنتَ} وإنما فوض اللعين أمر الوعد إلى موسى عليه السلام للاحتراز عن نسبته إلى ضعف القلب وضيق الحال وإظهار الجلادة وإراءة أنه متمكن من تهيئة أسباب المعارضة وترتيب آلات المغالبة طال الأمد أم قصر كما أن تقديم ضميره على ضمير موسى عليه السلام وتوسيط كلمة النفي بينهما للإيذان بمسارعته إلى عدم الإخلاف وإن عدم إخلافه لا يوجب عدم إخلافه عليه السلام ولذلك أكد النفي بتكرير حرفه.
وقرأ أبو جعفر وشيبة {لاَّ نُخْلِفُهُ} بالجزم على أنه جواب للأمر أي إن جعلت ذلك لا نخلفه {مَكَانًا سُوًى} أي منصفًا بيننا وبينك كما روي عن مجاهد وقتادة أي محلًا واقعًا على نصف المسافة بيننا سواء بسواء، وهذا معنى قول أبي علي قربه منكم كقربه منا، وعلى ذلك قول الشاعر:
وإن أبانا كان حل بأهله ** سوى بين قيس قيس غيلان والفزر

أو محل نصف أي عدل كما روي عن السدي لأن المكان إذا لم يترجح قربه من جانب على آخر كان معدلًا بين الجانبين.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد أنه قال: أي مكانًا مستويًا من الأرض لا وعر فيه ولا جبل ولا أكمة ولا مطمئن بحيث يستر الحاضرين فيه بعضهم عن بعض ومراده مكانًا يتبين الواقفون فيه ولا يكون فيه ما يستر أحدًا منهم ليرى كل ما يصدر منك ومن السحرة وفيه من إظهار الجلادة وقوة الوثوق بالغلبة ما فيه، وهذا المعنى عندي حسن جدًا وإليه ذهب جماعة، وقيل: المعنى مكانًا تستوي حالنا فيه وتكون المنازل فيه واحدة لا تعتبر فيه رياسة ولا تؤدي سياسة بل يتحد هناك الرئيس والمرؤوس والسائس والمسوس ولا يخلو عن حسن، وربما يرجع إلى معنى منصفًا أي محل نصف وعدل.
وقيل: {سُوًى} بمعنى غير والمراد مكانًا غير هذا المكان وليس بشيء لأن سوى بهذا المعنى لا تستعمل إلا مضافة لفظًا ولا تقطع عن الإضافة، وانتصاب {مَكَانًا} على أنه مفعول به لفعل مقدر يدل عليه {مَّوْعِدًا} أي عد مكانًا لا لموعدًا لأنه كما قال ابن الحاجب: مصدر قد وصف والمنصوب بالمصدر من تتمته ولا يوصف الشيء إلا بعد تمامه فكان كوصف الموصول قبل تمام صلته وهو غير سائغ.
وعن بعض النحاة أنه يجوز وصف المصدر قبل العمل مطلقًا وهو ضعيف، وقال ابن عطية: يجوز وصفه قبل العمل إذا كان المعمول ظرفًا لتوسعهم فيه ما لم يتوسعوا في غيره، ومن هنا جوز بعضهم أن يكون {مَكَانًا} منصوبًا على الظرفية بموعدًا.
ورد بأن شرط النصب على الظرفية مفقود فيه، فقد قال الرضي: يشترط في نصب {مَكَانًا} على الظرفية أن يكون في عامله معنى الاستقرار في الظرف كقمت وقعدت وتحركت مكانك فلا يجوز نحو كتبت الكتابة مكانك وقتلته وشتمته مكانك، وتعقب بأن ما ذكره الرضي غير مسلم إذ لا مانع من قولك لمن أراد التقرب منك ليكلمك: تكلم مكانك، نعم لا يطرد حسن ذلك في كل مكان، ويجوز أن يكون ظرفًا لقوله تعالى: {لاَّ نُخْلِفُهُ} على أنه مضمن معنى المجىء أو الإتيان، وجوز أن يكون ظرفًا لمحذوف وقع حالًا من فاعل {نُخْلِفُهُ} ويقدر كونًا خاصًا لظهور القرينة أي آتين أو جائين مكانًا.
وقرأ أبو جعفر ونافع وابن كثير وأبو عمرو {سُوًى} بكسر السين والتنوين وصلًا، وقرأ باقي السبعة بالضم والتنوين كذلك، ووقف أبو بكر وحمزة والكسائي بالإمالة وورش وأبو عمرو بين بين.
وقرأ الحسن في رواية كباقي السبعة إلا أنه لم ينون وقفًا ووصلًا، وقرأ عيسى كالأولين إلا أنه لم ينون وقفًا ووصلًا أيضًا، ووجه عدم التنوين في الوصل إجراؤه مجرى الوقف في حذف التنوين والضم والكسر كما قال محيي السنة وغيره لغتان في سوى مثل عدي وعدي.
وذكر بعض أهل اللغة أن فعلًا بكسر الفاء مختص بالأسماء الجامدة كعنب ولم يأت منه في الصفة إلا عدا جمع عدو، وزاد الزمخشري سوى، وغيره روي بمعنى مرو، وقال الأخفش: سوى مقصور إن كسرت سينه أو ضممت وممدود إن فتحت ففيه ثلاث لغات ويكون فيها جميعًا بمعنى غير وبمعنى عدل ووسط بين الفريقين، وأعلى اللغات على ما قال النحاس سوى بالكسر.
{قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59)}.
{قَالَ} أي موسى عليه السلام، قال في البحر: وأبعد من قال إن القائل فرعون ولعمري أنه لا ينبغي أن يلتفت إليه، وكأن الذي اضطر قائله الخبر السابق عن وهب بن منبه فليتذكر {مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة} هو يوم عيد كان لهم في كل عام يتزينون فيه ويزينون أسواقهم كما روي عن مجاهد وقتادة، وقيل: يوم النيروز وكان رأس سنتهم.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه يوم عاشوراء وبذلك فسر في قوله صلى الله عليه وسلم: «من صام يوم الزينة أدرك ما فاته من صيام تلك السنة ومن تصدق يومئذٍ بصدقة أدرك ما فاته من صدقة تلك السنة» وقيل: يوم كسر الخليج، وفي البحر أنه باق إلى اليوم، وقيل: يوم سوق لهم، وقيل: يوم السبت وكان يوم راحة ودعة فيما بينهم كما هو اليوم كذلك بين اليهود، وظاهر صنيع أبي حيان اختيار أنه يوم عيد صادف يوم عاشوراء، وكان يوم سبت.
والظاهر أن الموعد هاهنا اسم زمان للإخبار عنه بيوم الزينة أي زمان وعدكم اليوم المشتهر فيما بينكم، وإنما لم يصرح عليه السلام بالوعد بل صرح بزمانه مع أنه أول ما طلبه اللعين منه عليه السلام للإشارة إلى أنه عليه السلام أرغب منه فيه لما يترتب عليه من قطع الشبهة وإقامة الحجة حتى كأنه وقع منه عليه السلام قبل طلبه إياه فلا ينبغي له طلبه، وفيه إيذان بكمال وثوقه من أمره، ولذا خص عليه السلام من بين الأزمنة يوم الزينة الذي هو يوم مشهود وللاجتماع معدود، ولم يذكر عليه السلام المكان الذي ذكره اللعين لأنه بناءً على المعنى الأول والثالث فيه إنما ذكره اللعين إيهامًا للتفضل عليه عليه السلام يريد بذلك إظهار الجلادة فاعرض عليه السلام عن ذكره مكتفيًا بذكر الزمان المخصوص للإشارة إلى استغنائه عن ذلك وأن كل الأمكنة بعد حصول الاجتماع بالنسبة إليه سواء.
وأما على المعنى الثاني فيحتمل أنه عليه السلام اكتفى عن ذلك بما يستدعيه يوم الزينة فإن من عادة الناس في الأعياد في كل وقت وكل بلد الخروج إلى الأمكنة المستوية والاجتماع في الأرض السهلة التي لا يمنع فيها شيء عن رؤية بعضهم بعضًا، وبالجملة قد أخرج عليه الصلاة والتسليم جوابه على الأسلوب الحكيم، ولله تعالى در الكليم ودره النظيم، وقيل: الموعد هاهنا مصدر أيضًا ويقدر مضاف لصحة الأخبار أي وعدكم وعد يوم الزينة، ويكتفي عن ذكر المكان بدلالة يوم الزينة عليه، وقيل: الموعد في السؤال اسم مكان وجعله مخلفًا على التوسع كما في قوله: ويومًا شهدنا أو الضمير في {لاَّ نُخْلِفُهُ} [طه: 58] للوعد الذي تضمنه اسم المكان على حد {اعدلوا هُوَ أَقْرَبُ للتقوى} [المائدة: 8] أو للموعد بمعنى الوعد على طريق الاستخدام، والجملة في الاحتمالين معترضة.
ولا يجوز أن تكون صفة إذ لابد في جملة الصفة من ضمير يعود على الموصوف بعينه، والقول بحذفه ليس بشيء {ومكانًا} على ما قال أبو علي مفعول ثان لِ {أجعل} [طه: 58]، وقيل: بدل أو عطف بيان، والموعد في الجواب اسم زمان ومطابقة الجواب من حيث المعنى فإن يوم الزينة يدل على مكان مشتهر باجتماع الناس يومئذٍ فيه أو هو اسم مكان أيضًا ومعناه مكان وقوع الموعود به لا مكان لفظ الوعد كما توهم ويقدر مضاف لصحة الإخبار أي مكان يوم الزينة والمطابقة ظاهرة، وقيل: الموعد في الأول مصدر إلا أنه حذف منه المضاف أعني مكان وأقيم هو مقامه ويجعل {مَكَانًا} [طه: 58] تابعًا للمقدر أو مفعولًا ثانيًا؛ وفي الثاني إما اسم زمان ومعناه زمان وقوع الموعود به لا لفظ الوعد كما يرشد إليه قوله:
قالوا الفراق فقلت موعده غد

والمطابقة معنوية وإما اسم مكان، ويقدر مضاف في الخبر والمطابقة ظاهرة كما سمعت، وإما مصدر أيضًا ويقدر مضافان أحدهما في جانب المبتدأ والآخر في جانب الخبر أي مكان وعدكم مكان يوم الزينة وأمر المطابقة لا يخفى، وقيل: يقدر في الأول مضافان أي مكان إنجاز وعدكم أو مضاف واحد لكن تصير الإضافة لأدنى ملابسة، والأظهر تأويل المصدر بالمفعول وتقدير مضاف في الثاني أي موعودكم مكان يوم الزينة وهو مبني على توهم باطل أشرنا إليه، وقيل: هو في الأول والثاني اسم زمان و{لاَّ نُخْلِفُهُ} [طه: 58] من باب الحذف والإيصال والأصل لا نخلف فيه و{مَكَانًا} [طه: 58] ظرف لِ {اجعل} [طه: 58] وإلى هذا أشار في الكشف فقال: لعل الأقرب مأخذًا أن يجعل المكان مخلفًا على الاتساع والطباق من حيث المعنى أو المعنى اجعل بيننا وبينك في مكان سوى منصف زمان وعد لا نخلف فيه فالمطابقة حاصلة لفظًا ومعنى و{مَكَانًا} ظرف لغو انتهى.
واعترض بما لا يخفى رده على من أحاط خبرًا بأطراف كلامنا.
وأنت تعلم أن الاحتمالات في هذه الآية كثيرة جدًا والأولى منها ما هو أوفق بجزالة التنزيل مع قلة الحذف والخلو عن نزع الخف قبل الوصول إلى الماء فتأمل.
وقرأ الحسن والأعمش وعاصم في رواية وأبو حيوة وابن أبي عبلة وقتادة والجحدري، وهبيرة والزعفراني {يَوْمُ الزينة} بنصب {يَوْمٍ} وهو ظاهر في أن المراد بالموعد المصدر لأن المكان والزمان لا يقعان في زمان بخلاف الحدث، أما الأول فلأنه لا فائدة فيه لحصوله في جميع الأزمنة؛ وأما الثاني فلأن الزمان لا يكون ظرفًا للزمان ظرفية حقيقية لأنه يلزم حلول الشيء في نفسه، وأما مثل ضحى اليوم في اليوم فهو من ظرفية الكل لأجزائه وهي ظرفية مجازية وما نحن فيه ليس من هذا القبيل كذا قيل وفيه منع ظاهر.
وقيل: إنه يستدل بظاهر ذلك على كون الموعد أولًا مصدرًا أيضًا لأن الثاني عين الأول لإعادة النكرة معرفة، وفي الكشف لعل الأقرب مأخذًا على هذه القراءة أن يجعل الأول زمانًا، والثاني مصدرًا أي وعدكم كائن يوم الزينة.
والجواب مطابق معنى دون تكلف إذ لا فرق بين زمان الوعد يوم كذا رفعًا وبين الوعد يوم كذا نصبًا في الحاصل بل هو من الأسلوب الحكيم لاشتماله على زيادة، وقوله تعالى: {وَأَن يُحْشَرَ الناس ضُحًى} عطف على الزينة، وقيل: على يوم، والأول أظهر لعدم احتياجه إلى التأويل، وانتصب {ضُحًى} على الظرف وهو ارتفاع النهار ويؤنث ويذكر، والضحاء بفتح الضاد ممدود مذكر، وهو عند ارتفاع النهار الأعلى.
وجوز على القراءة بنصب {يَوْمٍ} أن يكون {مَوْعِدُكُمْ} مبتدأ بتقدير وقت مضاف إليه على أنه من باب أتيتك خفوق النجم، والظرف متعلق به و{ضُحًى} خبره على نية التعريف فيه لأنه ضحى ذلك اليوم بعينه ولو لم يعرف لم يكن مطابقًا لمطلبهم حيث سألوه عليه السلام موعدًا معينًا لا يخلف وعده، وقيل: يجوز أن يكون الموعد زمانًا و{ضُحًى} خبره و{يَوْمُ الزينة} حالًا مقدمًا وحينئذٍ يستغني عن تعريف ضحى وليس بشيء ثم إن هذا التعريف بمعنى التعيين معنى لا على معنى جعل {ضُحًى} أحد المعارف الاصطلاحية كما قد يتوهم.
وقال الطيبي: قال ابن جني: يجوز أن يكون {أَن يُحْشَرُواْ} عطفًا على الموعد كأنه قيل: إنجاز موعدكم وحشر الناس ضحى في يوم الزينة.
وكأنه جعل الموعد عبارة عما يتجدد في ذلك اليوم من الثواب والعقاب وغيرهما سوى الحشر ثم عطف الحشر عليه عطف الخاص على العام اه وهو كما ترى، وقرأ ابن مسعود، والجحدري. وأبو عمران الجوني. وأبو نهيك، وعمرو بن قائد {بِرَبّ الناس} بتاء الخطاب ونصب {الناس} والمخاطب بذلك فرعون.
وروي عنهم أنهم قرأوا بياء الغيبة ونصب {الناس} والضمير في {يُحْشَرُ} على هذه القراءة إما لفرعون وجىء به غائبًا على سنن الكلام مع الملوك، وإما لليوم والإسناد مجازي كما في صام نهاره، وقال صاحب اللوامح: الفاعل محذوف للعلم به أي وأن يحشر الحاشر الناس.
وأنت تعلم أن حذف الفاعل في مثل هذا لا يجوز عند البصريين، نعم قيل في مثله: إن الفاعل ضمير يرجع إلى اسم الفاعل المفهوم من الفعل.
{فتولى فِرْعَوْنُ} أي انصرف عن المجلس، وقيل: تولى الأمر بنفسه وليس بذاك.
وقيل: أعرض عن قبول الحق وليس بشيء {فَجَمَعَ كَيْدَهُ} أي ما يكاد به من السحرة وأدواتهم أو ذوي كيده {ثُمَّ أتى} أي الموعد ومعه ما جمعه، وفي كلمة التراخي إيماءً إلى أنه لم يسارع إليه بل أتاه بعد بطء وتلعثم. اهـ.